
شرح حديث “إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة” – الفقه والمقاصد
المقدمة
يُعدّ حديث “اشتد الحر فخففوا بالصلاة” من الأحاديث النبوية المهمة التي تجمع بين الرحمة النبوية، والتيسير في الشريعة، والتوجيه العملي للعبادة بما يُناسب حال المسلم وظروفه. وقد ورد هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، ويتعلّق تحديدًا بصلاة الظهر في أيام الحر الشديد. في هذا المقال الموسوعي، سنقدم شرحًا تفصيليًا للحديث من حيث صيغته، الروايات الواردة، المعنى اللغوي، الفقه العملي، الأقوال الفقهية، الفوائد، والمقاصد.
أولًا: نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم”.
رواه البخاري (رقم 537)، ومسلم (615)
ثانيًا: شرح المفردات
الكلمة | معناها |
---|---|
اشتد الحر | زادت درجة الحرارة وبلغت أقصاها |
فأبردوا | أخرّوا الصلاة حتى يزول شدة الحر (أي اقترب الزوال أو بعده) |
بالصلاة | المقصود بها: صلاة الظهر |
فيح جهنم | لهبها وحرها المنبعث منها، وهو تعبير مجازي عن شدة الحرارة |
ثالثًا: سبب ورود الحديث
- كانت صلاة الظهر تُصلّى في أول وقتها، لكن في أيام شدة الحر، كان ذلك يؤدي إلى مشقة شديدة على المسلمين، خصوصًا من يمشي في الشمس أو من يصلي في المساجد المفتوحة.
- فجاء الحديث للتخفيف، بإرشاد النبي ﷺ إلى تأخير صلاة الظهر قليلاً حتى تزول شدة الحر.
رابعًا: فقه الحديث – الأحكام المستنبطة
- جواز تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحر:
- يُستحب تأخيرها إلى ما بعد الزوال بنحو ساعة، بشرط عدم فوات وقتها.
- الحديث خاص بصلاة الظهر:
- لأن شدة الشمس تظهر وقتها، بخلاف الفجر أو العصر.
- التيسير في الشريعة:
- دليل على أن الإسلام لا يُحمّل الناس فوق طاقتهم، بل يراعي الأحوال.
- الحر من فيح جهنم:
- تذكير معنوي بأن شدة الحرارة في الدنيا مجرد جزء بسيط من عذاب الآخرة.
خامسًا: أقوال العلماء والمذاهب الفقهية
المذهب | الحكم في تأخير الظهر عند الحر الشديد |
الحنفية | الأفضل التعجيل إلا لعذر، ويجوز التأخير مع شدة الحر |
المالكية | يُندب الإبراد بالصلاة، خصوصًا في المساجد المكشوفة |
الشافعية | يُستحب الإبراد عند شدة الحر إذا لم يُخَشّ تأخير الوقت |
الحنابلة | يُستحب الإبراد وهو سنة مؤكدة عند اشتداد الحر |
قال النووي: “هذا الحديث أصل في استحباب تأخير صلاة الظهر في شدة الحر”.
وقال ابن قدامة: “المراد بالإبراد تأخيرها حتى يذهب بعض شدة الحر، وهو من السنة المشروعة للرفق بالمصلين”.
سادسًا: تطبيقات معاصرة
- في البلاد الحارّة (الخليج مثلاً):
- يُراعى التوقيت في المساجد بناءً على درجات الحرارة.
- بعض المساجد تُبكر الصلاة بسبب التكييف، لكن من يصلي في العراء يُفضل له الإبراد.
- العمل والدوام المدرسي:
- الحديث يراعي التيسير، ويمكن تذكير الطلاب به لتفهّم التقديم أو التأخير.
- الارتباط بالواقع البيئي:
- الإسلام يدعو لمراعاة الأحوال المناخية في أداء العبادات، وهو أمر قابل للتطبيق الحديث.
سابعًا: فوائد الحديث
- يُظهر رحمة النبي ﷺ بأمته.
- يُبيّن التوازن بين الالتزام بالشريعة والتيسير عند الحاجة.
- يُعلّم المسلم التأمل في خلق الله (شدة الحر ← فيح جهنم).
- يُشجّع على ربط العبادات بالظروف المحيطة والمرونة في التطبيق.
ثامنًا: أسئلة – للطلبة
- ما معنى “فأبردوا بالصلاة”؟ وما المقصود بها؟
- لماذا خُصّت صلاة الظهر بهذا الحكم؟
- ما المقصود بقول النبي ﷺ “من فيح جهنم”؟
- هل يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب الحر؟
- كيف يمكن تطبيق هذا الحديث عمليًا اليوم؟
خاتمة
حديث “إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة” يجسّد رحمة الإسلام وتيسيره في أحكامه، ويُذكّر المسلمين بمراعاة الأحوال البيئية والواقعية في أداء العبادات، دون تعارض مع الانضباط الشرعي. وهو من الأحاديث التي تؤكد أن الدين يراعي النفس البشرية ويهدف إلى التيسير لا التعسير.
المصادر:
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- شرح النووي على مسلم
- المغني – ابن قدامة
- نيل الأوطار – الشوكاني
- فتح الباري – ابن حجر
- الموسوعة الفقهية الكويتية